أحدث التدوينات

عاجل || إفتتاح التسجيل بسلك الدكتوراه -جامعة إبن زهر- بأكادير

وتنهي جامعة ابن زهر إلى علم كافة الطلبة الحاصلين على دبلوم الماستر أو مايعادله انه سيتم افتتاح باب اقتراح المواضيع يوم 5 شتنبر حتى شهر أكتوبر... ونشر المواضيع المقترحة يوم 17 أكتوبر، على أن يتم الإنتقاء النهائي في الفترة الممتدة ما بين 31 أكتوبر و 17 نونبر. لا تنسى تسجيل بريدك لكي يصلك الجديد...❤

المجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات ومدى مساهمتها في تخليق الحياة العامة

في إطار تحديث الترسانة التشريعية وتقوية منظومة الرقابة على المال العام وترسيخ السياسة الجديدة للدولة، تم إصدار القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف 1.02.124 الصادر في 13 يونيو 2002.
وفي هذا الإطار خصص للقضاء المالي مقتضيات الباب العاشر من الدستور المغربي الجديد لسنة 2011 وأفرد له الفصول من 147 إلى 150، وأعطى للمجلس الأعلى للحسابات (أولاً) حق ممارسة المراقبة المالية العمومية والعديد من الاختصاصات الاخرى.
فضلا عن ذلك وفي إطار سياسة اللامركزية، نص الدستور في الفصل 149 على تولى المجالس الجهوية للحسابات (ثانياً) مراقبة حسابات الجهات والجماعات الترابية الأخرى وهيئاتها، وكيفية قيامها بتدبير شؤونها(ثانياً).
أولاً: المجلس الأعلى للحسابات
استنادا لظهير 14 شتنبر 1979 يتولى المجلس الأعلى للحسابات اختصاصات متنوعة في مجال تدخلاته الرقابية غالبا ما يتم حصرها في زاويتين الأولى تتعلق بالاختصاص القضائي الذي تتحدد ملامحه العامة في تتبع مدى تقيد المحاسبين العموميين على اختلاف مواقعهم بقواعد المحاسبة العمومية، والثانية المتمثلة في الاختصاص الإداري الذي يتجاوز الوقوف على مدى الالتزام بالمقتضيات القانونية في تسيير المال العمومي للاهتمام بجانب التسيير والمردودية، هذا بالإضافة إلى المستجدات التي أتت بها مدونة المحاكم المالية 62-99 الصادرة بتاريخ 13 يونيو 2002 بإدراجها لاختصاصات جديدة لفائدة المجلس الأعلى للحسابات.
1-               الاختصاص القضائي للمجلس الأعلى للحسابات.
يقوم المجلس الأعلى للحسابات بالتدقيق والتحقيق والبث في حسابات مرافق الدولة والمقاولات والمؤسسات العمومية المتوفرة على محاسب عمومي، ويمارس أيضا وظيفة قضائية في مجال التسيير بحكم الواقع والتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية.
ويتولى فضلا عن ذلك البت في طلبات استئناف الأحكام الصادرة بصفة نهائية عن المجالس الجهوية للحسابات سواء في مجال البت في الحسابات أو بالنسبة للتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية.
يتفرع الاختصاص القضائي للمجلس الأعلى للحسابات بين النظر في حسابات المحاسبين العموميين، واختصاصه في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية.
وهكذا ينظر المجلس في الشق الأول من هذا الاختصاص، ويهم التحقيق في مشروعية العمليات المالية للمحاسبين العموميين لدى الدولة، كما يخضع لهذه الرقابة جميع الموظفين المسؤولين عن تحصيل أو أداء أموال عامة أو الالتزام بنفقات عامة، بما فيهم المحاسبين الفعليين بدون صفة وذلك عن جميع المخالفات المالية المرتكبة أثناء أدائهم لمهامهم.
والشق الأخر من الاختصاصات القضائية للمجلس الأعلى للحسابات، بموجب المادة 51 من مدونة المحاكم المالية يمارس المجلس مهمة قضائية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالنسبة لكل مسؤول أو موظف أو عون بأحد الإدارات الخاضعة لرقابة المجلس، وتتجلى المخالفات الموجبة للمتابعة أمام قضاة المجلس على سبيل المثال لا الحصر، مخالفة قواعد الالتزام بالنفقات العمومية وتصفيتها والأمر بصرفها إضافة لعدم احترام النصوص التنظيمية المتعلقة بالصفقات العمومية ومخالفة النصوص التشريعية والتنظيمية الخاصة بتدبير شؤون الموظفين والأعوان...
2-               الاختصاص الإداري للمجلس الأعلى للحسابات.
إضافة إلى اختصاصات المجلس القضائية، يراقب المجلس تسيير المرافق والأجهزة العمومية التي تدخل في دائرة اختصاصه من أجل تقديره من حيث الكيف، والإدلاء، عند الاقتضاء، باقتراحات حول الوسائل الكفيلة بتحسين طرقه والزيادة في فعاليته ومردوديته.
تشكل مراقبة التسيير الشق الثاني من الاختصاص الرقابى للمجلس الأعلى للحسابات والذي يوصف بكونه ذا طابع إداري يتجاوز جانب المشروعية الذي ترتكز عليه اختصاصاته القضائية، ليهتم بتقييم تسيير الأجهزة الخاضعة لرقابته، من حيث تحقيق الأهداف المسطرة وتكاليف وشروط اقتناء واستخدام الوسائل المستعملة، والتقدم بمقترحات وتوصيات من شأنها دعم فعالية ومردودية مناهج التسيير، وهو ما يدفعنا لوصف هذا الاختصاص بالرقابة الاستشرافية.
وتشمل مراقبة المجلس كذالك مشروعية وصدقية العمليات المنجزة وكذا حقيقة الخدمات المقدمة والتوريدات المسلمة والأشغال المنجزة، ويتأكد من أن الأنظمة والإجراءات المطبقة داخل الأجهزة الخاضعة لرقابته تضمن التسيير الأمثل لمواردها واستخداماتها وحماية ممتلكاتها، إضافة إلى ذلك فإن مدونة المحاكم المالية خولت للمجلس القيام بمهام تقيم المشاريع العمومية انطلاقا من المنجزات بهدف معرفة إلى أي مدى تم تحقيق الأهداف المحددة لكل مشروع بالنظر إلى الإمكانيات التي تم توظيفها.
وتنتهي مسطرة مراقبة تسيير بتوجيه الرئيس للتقارير الخاصة إلى الوزير الأول ووزير المالية والوزير الوصي، بحيث يمكن لهؤلاء الإدلاء بملاحظاتهم والتعبير عن أرائهم داخل أجل لا يقل عن شهر.
وبالإضافة إلى الاختصاصات السالفة الذكر، فإن مدونة المحاكم المالية أسندت للمجلس الأعلى للحسابات مهاما جديدة على مستوى مراقبة استعمال الأموال العمومية التي تتلقاها المقاولات -باستثناء تلك الواردة في المادة 76- والجمعيات أو كل الأجهزة التي تستفيد من مساهمة في رأس المال أو من مساعدة كيفما كان شكلها تلقتها من الدولة أو من مؤسسة عمومية أو من أحد الأجهزة الخاضعة لرقابة المجلس، والهدف من هذه الرقابة هو التأكد من أن الأموال العمومية التي تم التوصل بها قد تم استخدامها طبقا لأهداف المرسومة للمساهمة أو الأعانة، إضافة إلى مراقبة الأموال التي تجمع عن طريق التماس الإحسان العمومي من أجل الـتأكد من استخدام الموارد التي تم جمعها يطابق الأهداف المتوخاة من وراء التماس الإحسان العمومي.
ويتولى المجلس من خلال مهامه الجديدة تقديم المساعدة للبرلمان من خلال رده على طلبات التوضيح المعروضة عليه من قبل رئيسي غرفتي البرلمان عند دراسة التقرير المتعلق بتنفيذ قانون المالية والتصريح العام بالمطابقة.
أما المساعدة التي يقدمها المجلس للحكومة، فتتمثل في إدراجه ضمن برنامج أعماله لمهمة تقييم البرامج والمشاريع العمومية، ومراقبة تسيير أحد الأجهزة الخاضعة لرقابته بطلب من رئيس الحكومة.
ثانياً: المجالس الجهوية للحسابات.
تشكل رقابة المجلس الجهوي للحسابات امتدادا موضوعيا للرقابة العليا على المالية المحلية، وبالتالي تتوج التنظيم الجهوي للدولة، وتحقق أهداف متعددة منها تخفيف العبء على المجلس الأعلى للحسابات، وتتبع استعمال الموارد المحلية وتقويم المشاريع التنموية والمصالح العمومية، وتمكين المواطن والرأي العام المحلي من التقييم الضروري لاستعمال المال العام المحلي، وعليه فإن هذا التطوير المجالي عن طريق الامتداد الجهوي لمؤسسة المجلس الأعلى للحسابات، هذا ما سيعمل على الإسهام المباشر في تثبيت التدبير الجيد للمال العام المحلي.
تتولى المجالس الجهوية طبقا لمقتضيات الفصل 149 من الدستور، مراقبة حسابات الجماعات الترابية وهيئاتها وكيفية قيامها بتدبير شؤونها.
تقوم المجالس الجهوية للحسابات طبقا لمدونة المحاكم المالية باختصاصات قضائية، تتضح ملامحها من خلال تدخل هذه الوحدات الرقابية في البث والتدقيق في حسابات المحاسبين العموميين جهة والتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية من جهة أخرى.
كما تتفرع الاختصاصات الإدارية للمجالس الجهوية للحسابات، بين مراقبة القرارات المتعلقة بالميزانية ومراقبة التسيير، إضافة لمراقبة استعمال الأموال العمومية.
1-               الاختصاص القضائي للمجالس الجهوية للحسابات
وجب التمييز في هذا السياق بين النظر في حسابات المحاسبين العموميين من جهة، والتأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية من جهة أخرى.
يقوم المجلس الجهوي، في حدود دائرة اختصاصه، التدقيق والبث في حسابات الجماعات الترابية وهيئاتها وكذا حسابات المؤسسات العمومية والمقاولات التي تملك رأسمالها كليا جماعات محلية وهيئاتها ومؤسسات عمومية تخضع لوصاية الجماعات التراية وهيئاتها، والتي تتوفر على محاسب عمومي.
ويلزم في هذا الشأن المحاسبون العموميين بهذه المنظمات بتقديم حساباتهم سنويا إلى المجلس الجهوي، كما يلزم محاسبو الأجهزة الأخرى بتقديم بيانا محاسبيا عن عمليات المداخيل والنفقات وكذا عمليات الصندوق التي يتولون تنفيذها، وذلك وفق الكيفيات المقررة في النصوص التنظيمية الجاري بها العمل.
إضافة إلى هذا يتولى المجلس الجهوي في حدود دائرة اختصاصه مراقبة التسيير بحكم الواقع، بالنسبة للعمليات التي تشكل تسييرا بحكم الواقع يحيل وكيل الملك إلى المجلس في حدود دائرة اختصاصه من تلقاء نفسه أو بطلب من وزير الداخلية أو العامل....العمليات التي قد تشكل تسييرا فعليا بحكم الواقع، وتتحدد مساطر التحقيق في أنها كتابية، كما يمكن  استئناف القرارات النهائية الصادرة عن المجلس الجهوي أمام المجلس الأعلى للحسابات هذا من جهة.
أما من ناحية أخرى فالمجلس الجهوي للحسابات يمارس نفس الاختصاصات التي يمارسها المجلس الأعلى للحسابات مركزيا، تطبيقا للمواد 54-55-56 من قانون 62-99 والتي تتمثل في إخضاع للعقوبات المنصوص عليها كل أمر بالصرف أو أمر بالصرف مساعد أو مسؤول وكذا كل موظف أو عون يعمل تحت سلطتهم أو لحسابهم، إذا ارتبكوا أثناء مزاولة مهامهم إحدى المخالفات المنصوص عليها في المادة 54 من مدون المحاكم المالية.
2-               الاختصاص الإداري للمجالس الجهوية للحسابات.
 تتوزع الاختصاصات الإدارية للمجالس الجهوي للحسابات بين مراقبة القرارات المتعلقة بالميزانية ومراقبة التسيير وكذا مراقبة استعمال الأموال العمومية.
فيما يتعلق بمراقبة الإجراءات المتعلقة بتنفيذ الميزانية يمكن لوزير الداخلية أو الوالي أو العامل أن يعرض على أنظار المجلس الجهوي كل قضية تخص الاجراءات المتعلقة بتنفيذ ميزانية جماعة أو هيئة، بحيث أن إذا لم تتم المصادقة على الحساب الإداري لجماعة أو هيئة من طرف المجلس التداولي المختص، عرض وزير الداخلية أو الوالي أو العامل حسب الحدود الاختصاصية لكل واحد الحساب الإداري الغير مصادق عليه، من أجل إبداء الرأي حول شروط تنفيذ الميزانية داخل أجل أقصاه شهرين.
أما بالنسبة لمراقبة التسيير والتي تعد من أهم الاختصاصات الإدارية التي يضطلع بها المجلس، لكونها تتجاوز تطبيقات المشروعية القانونية على مستوى العمليات المالية، لتقف بالأساس على جودة التسيير بناء على مؤشرات المردودية في علاقتها بالأهداف المعلنة.
وتعتبر مراقبة التسيير الإطار الأمثل لممارسة الرقابة اللاحقة، ذلك أن الجوانب التي تشملها كبيرة وواسعة تشمل شرعية وفعالية واقتصاد وكفاءة ومادية العمليات المنجزة، وهذه المراقبة هي التي تم النص عليها في المادة  147 من مدونة المحاكم المالية  "وتشمل رقابة المجلس الجهوي جميع أوجه التسيير، ويقيم المجلس لهذا الغرض مدى تحقيق الأهداف المحددة والنتائج المحققة وكذا تكاليف وشروط اقتناء واستخدام الوسائل المستعملة، وتشمل مراقبة المجلس الجهوي كذلك مشروعية وصدق العمليات المنجزة وكذا حقيقة الخدمات المقدمة والتوريدات المسلمة والأشغال المنجزة، ويتأكد المجلس الجهوي من أن الأنظمة والإجراءات المطبقة داخل الأجهزة الخاضعة لرقابته تضمن التسيير الأمثل لمواردها و استخدامها، وحماية ممتلكاتها وتسجيل كافة العمليات المنجزة، ويمكن للمجلس الجهوي أن يقوم بمهام تقييم مشاريع الأجهزة الخاضعة لمراقبته قصد التأكد من مدى تحقيق الأهداف لكل مشروع انطلاقا مما تم إنجازه وبالنظر إلى الوسائل المستعملة".  
على اعتبار أن مراقبة المجلس الجهوي تشمل بالنسبة للأجهزة الخاضعة جميع أوجه التسيير فهو بذلك يتولى تقييم مدى تحقيق الأهداف المعلنة والنتائج المسجلة، بالإضافة إلى تكاليف وشروط اقتناء واستخدام الوسائل المستعملة وهو ما يحيل إلى المعايير المرتبطة بالفعالية والنجاعة والاقتصاد.
ويسهر المجلس الجهوي لنفس الغاية على مدى ملائمة الأنظمة والإجراءات المطبقة داخل الأجهزة الخاضعة لمراقبته في اتجاه ضمان تسيير أمثل لمواردها واستعمالها مع حماية ممتلكاتها وحصر جميع العمليات المنجزة، إضافة لإمكانية المجلس إجراء تقييم لمشاريع هذه الأجهزة بهدف التأكد من مدى تحقيق أهداف المحددة لكل مشروع انطلاقا مما تم انجازه وبالنظر للوسائل المستعملة.
انطلاقا مما سبق يتبين لنا أن المجالس الجهوية للحسابات تقوم بمراقبة الأداء أو التسيير، من خلال افتحاص الكفاءة التدبيرية للأجهزة الخاضعة للرقابة بالنظر إلى الوسائل المستعملة سواء الموارد البشرية أو المالية هل تم استخدامها باقتصاد وكفاءة، ومن هنا يبرز لنا دور المجالس الجهوية للحسابات في التقييم الواقعي الميداني لما تم إنجازه من طرف الجماعات الترابية أو مجموعاتها، بالإضافة إلى رقابة الفعالية أي هل هذه المشاريع التي تم إنجازها تشكل حاجة ملحة للسكان أو لتحقيق التنمية بصفة عامة.
وأخيرا يقوم المجلس الجهوي للحسابات بمراقبة استخدام الأموال العمومية -هذا الاختصاص الذي يعتبر من المستجدات التي أتت بها مدونة المحاكم المالية- التي تتلقاها المقاولات والجمعيات وكل الأجهزة الأخرى التي تستفيد من مساهمة في رأس المال أو من مساعدة مالية كيفما كان شكلها من طرف جماعة محلية أو هيئة خاضعة لرقابة المجلس الجهوي.
يأتي إحداث المحاكم المالية الجهوية في سياق عام يهدف إلى خلق ديناميكية سياسية لتحول ديموقراطي، عبر إقرار دولة الحق والقانون من خلال تدعيم مبادئ المراقبة و المساءلة والمحاسبة والشفافية، وهكذا يأتي خلق المجالس الجهوية للحسابات أحد المداخل الإصلاحية الهامة التي تستجيب لإرادة بناء شروط تحديث التدبير الجيد للشأن العمومي المحلي، وتهدف جهوية الرقابة القضائية المالية إلى عقلنة التسيير وتأهيل طرق التدبير المحلي بمختلف مستوياته المالية والمحاسبية.

تعليقات