تعتبر الرقابة التقييمية من أحدث
أساليب الرقابة المالية، حيث بدأ التفكير فيها بعد الحرب العالمية الثانية، ومع
ازدياد دور الدولة في النشاط الاقتصادي وبالتالي ازدياد حجم النفقات العامة، اصبحت
مراقبة المشروعية غير ذي جدوى، ومن هنا بدأت المحاولات الأولى لوضع الرقابة
التقييمية موضع التنفيذ، ومع اعتناق الكثير من الدول لأساليب التخطيط الاقتصادي
واعتماد الأساليب الحديثة في التقسيم الموازني ازدادت الحاجة إلى الرقابة
التقييمية.
تمثل رقابة الأداء فحصا موضوعيا تشخص
به السياسات والنظم وإدارة العمليات في الجهات الخاضعة للرقابة، ويقارن من خلالها
الإنجاز بالخطط والنتائج بالقواعد بغية كشف الانحرافات وبيان أسبابها، وذلك في
سبيل توجيه الأداء نحو تحقيق كفاءة واقتصادية وفاعلية أكبر، ذلك أن عمليات رقابة
الأداء تهدف التأكد من أن الإنفاق العام يجري وفقا للقرارات والسياسات والأهداف
المسطرة سلفا، وأن هذه الأهداف المقررة تتحقق بشكل فعال واقتصادي وبكفاءة عالية، وعليه
فإن تقويم الأداء يرتكز على ثلاث قواعد أساسية:
§
قاعدة فعالية
أداء المشروع في تحقيق الأهداف المقررة، وهي التحقيق الفعلي لأهداف وغايات ومنافع
المشاريع والمناهج الحكومية والإدارات العمومية، وذلك من خلال الاستخدام الفعلي
لطرق العمل المعتمدة في تنفيذ الخطط والسياسات المقررة، ويفترض أن يتم ذلك بأقل التكاليف الاقتصادية المعقولة
وضمن المواعيد والمواصفات القياسية المحددة أو المخططة مسبقا.
§
قاعدة كفاءة أداء التشكيلات الإدارية والتنظيمية في المشروع والمنتسبين له
ومدى نجاحهم في تنفيذ الواجبات والأعمال الموكولة إليهم، ويقصد بذلك تنفيذ الخطط
والسياسات المقررة بخصوص كميات ومستويات الإنتاج والأهداف الأخرى لأي مشروع معين،
بطريقة نظامية تساهم في تقليل الكلفة إلى الحد الأدنى دون أن تأثر سلبا في مستوى
ونوع الأعمال.
§ قاعدة الاقتصاد في استخدام الموارد
الاقتصادية والموارد العامة وتجنب الإنفاق غير الضروري، ويهدف مقياس الاقتصاد إلى تقليص تكاليف الموارد أو إلى استعمال مداخيل الدولة
المرصودة لنشاط معين مع مراعات الجودة.
فرقابة
الأداء تقوم على معيار اقتصادي ألا وهو المردودية والمنفعة التي تتوخى عقلنة
التسيير من الناحية الاقتصادية.
ومع أن هذه القواعد يمكن أن تشكل
دعامات مستقلة بذاتها ومعتمدة على نفسها بشكل رئيسي، فإن نتائج تقويم الأداء تفرض
ارتباط بعضها البعض.
كما هو الحال بالنسبة لمقاييس الاقتصاد،
يجب أن تشكل نقطة مرجعية لفهم مقياس الكفاءة، كالمقارنة بين نسب المدخلات
والمخرجات الخاصة بالوحدات المتشابهة، من جهة أخرى فإن توافق علاقة التكلفة
بالفعالية يستند على كفاءة الوحدة الخاضعة للمراقبة، وكذا كفاية نشاط، برنامج أو
عملية معينة في الحصول على نتائج متوقعة بالمقارنة مع تكاليفها، ولا تشكل العلاقة
بين التكلفة والفعالية سوى أحد عناصر الفحص الشمولي للكفاءة الذي بإمكانه أن يشمل
كذلك تحليل عناصر أخرى كالفترة التي تم خلالها تسليم المخرجات مقارنة مع الوقت
الذي تم فيه رفع الأثر إلى حده الأقصى.
أما قاعدة الفعالية فتمكن من قياس
درجة تحقيق الأهداف والعلاقة الموجودة بين الهدف المعلن والتأثير الحقيقي للنشاط
من خلال مقارنة نتائج مع الأهداف المسطرة في البرنامج العمومي.
إلا أنه من المناسب أثناء مراقبة
الفعالية محاولة تحديد كيفية مساهمة الوسائل المستعملة في تحقيق أهداف البرنامج
العمومي، ويتعلق الأمر هنا بالتعريف الحقيقي بمراقبة الفعالية، هذه الأخيرة تتطلب
أن تكون النتائج الملحوظة مطابقة بالفعل لنتائج العمل الذي قامت به الوحدة الخاضعة
للمراقبة، وذلك وفق أهداف البرنامج وليس لنتائج العوامل الخارجية.
إذ كان مثلا هدف البرنامج هو تقليص
معدل البطالة، فهل يعتبر تقليص عدد العاطلين عن العمل نتيجة لأعمال التي قامت بها
الوحدة، أم يدخل في إطار التحسن العام للبيئة الاقتصادية التي ليس للوحدة دخل فيها
أو تأثير عليها، في هذه الحالة إذن يتعين على المراقبة أن تأخذ بعين الاعتبار
روابط العلة ومواجهة مشكل الإقصاء الفعلي للمتغيرات الخارجية.
وعلى العموم فالتقييم أو رقابة
الأداء تهدف إلى تحديد الطريقة الأكثر موضوعية وملائمة وفعالية بالنسبة لسير
المشروع أو البرنامج على مستوى تكلفته المالية وأنشطته، وقياس بصفة دائمة درجة
تحقق الأهداف ومن ثم الأثر الذي يخلفه، أو بصفة أخرى فهو يتوخى تفحص كل جوانب
إعداد وصياغة المشروع، وسياقه وأهدافه ونتائجه وفرضياته والأخطار التي يمكن أن
يتعرض لها وإنجازه وتسييره وأثاره ( المقصودة وغير المقصودة ).
وربما
لن تهدف مراقبة الأداء بالضرورة إلى إصدار خلاصات حول القواعد الثلاث: الاقتصاد، الكفاءة
والفعالية، إضافة للأثر إلا أن القيام بتحليل منفصل حول اقتصاد ونجاعة النشاطات
دون الأخذ بعين الاعتبار مدى فعاليتها وأثرها على الشريحة المستهدفة، لن يكون
مثمرا، والعكس بالعكس، ذلك أنه أثناء القيام بمراقبة الفعالية، يستطيع المراقب أن
يراعي الاقتصاد والكفاءة، فيمكن أن تشهد نتائج الوحدة، أو نشاط أو برنامج أو عملية
معنية التأثير المرغوب فيه، لكن يبقى السؤال مطروحا حول استعمال الموارد بشكل اقتصادي
وناجع وقد عرف هذا التوجه نجاحا هاما في القطاع العمومي بكندا.
مقال جيد، لكن رقابة الأداء أو التقييم يعاني على مستوى الدسترة والمأسسة الشيء الذي يأثر على فعالية الفعل التنموي
ردحذفنعم لكن السياق الدستوري والاداري للملكة لا يسمح في الوقت الحالي على اعتبار قصر تجربة التوجهات الرقابية الحديثة ببلدنا على خلاف الدول المتقدمة
حذف